عملية رفح- تضخيم إسرائيلي لتبرير الاجتياح والمفاوضات المتعثرة.

المؤلف: سعيد السني11.17.2025
عملية رفح- تضخيم إسرائيلي لتبرير الاجتياح والمفاوضات المتعثرة.

أقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وبدعم إعلامي غربي مكثف، احتفالات صاخبة وضجيجًا إعلاميًا واسعًا، لتمجيد وتضخيم عملية استعادة أسيرين إسرائيليين من منطقة رفح الفلسطينية في قطاع غزة المحاصر.

راح وزراء الحكومة الإسرائيلية، وقادة الجيش، ووسائل الإعلام التابعة لهم، في سرد روايات وقصصًا خيالية، وادعاء بطولات زائفة حول العملية، التي وصفوها بأنها "معقدة، وصعبة، ومركبة"، مدعين مشاركة جميع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية والعسكرية فيها.

تلفيقات مجمع الشفاء

تزامنت العملية العسكرية مع مجزرة مروعة ضد المدنيين الفلسطينيين، أسفرت عن استشهاد أكثر من مئة شخص، وإصابة العشرات بجروح خطيرة. في المقابل، أكدت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" أن الأسيرين اللذين تم تحريرهما لم يكونا محتجزين لدى المقاومة، بل كانوا في قبضة مدنيين داخل مبنى سكني.

التفاصيل التي يروج لها الجانب الإسرائيلي حول العملية تبدو متناقضة وغير متماسكة، وتفتقر إلى الأدلة الموثقة، على غرار العديد من "الأكاذيب والتلفيقات" التي روجها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية عدوانه الغاشم على غزة، الذي دخل شهره الخامس.

ولعل أبرز هذه الأكاذيب هي ادعاءاتهم حول "مجمع الشفاء الطبي"، الذي قصفه جيش الاحتلال في الثالث من شهر نوفمبر عام 2023، واقتحمه بوحشية، وقتل وجرح المرضى والنازحين، بمن فيهم الأطفال الخدج، بحجة كاذبة أن مقر قيادة "كتائب القسام" يقع أسفل المجمع. ثم لجأ الجيش الإسرائيلي المخزي، الذي يفتقر إلى الشرف والأخلاق، إلى نشر "مقاطع فيديو" مفبركة ومزيفة لإثبات ادعاءاته الباطلة، ولكنها لم تقنع حتى مؤيديه في الغرب، مما اضطره إلى حذف بعضها لاحقًا.

تهديدات باجتياح رفح

يثير هذا التضخيم والتهويل الإسرائيلي لعملية استعادة أسيرين بعد مرور أكثر من 130 يومًا على الأسر، الكثير من التساؤلات، خاصة بعد فشل الجيش الإسرائيلي الذريع في تحرير أي أسير آخر بالقوة. ما هي العلاقة بين هذه العملية والمفاوضات الجارية لإتمام صفقة تبادل الأسرى التي ترعاها الولايات المتحدة، وتقوم عليها مصر وقطر؟ وهل لها صلة بالتهديدات الإسرائيلية المتكررة باجتياح مدينة رفح الفلسطينية المكتظة بالنازحين على الحدود المصرية؟

لقد فشل جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية والاستخباراتية طوال الأشهر الأربعة الماضية في تحرير الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية في غزة. بل إنه تسبب في قتل أحد الأسرى لدى كتائب القسام خلال محاولة فاشلة لتحريره في التاسع من ديسمبر عام 2023، والتي أسفرت أيضًا عن مقتل جنديين إسرائيليين، وإطلاق جنوده النار على ثلاثة أسرى آخرين كانوا قد فروا وحاولوا الاستنجاد بهم باللغة العبرية.

ولم يتم إطلاق سراح أي أسير لدى المقاومة الفلسطينية إلا خلال صفقة التبادل التي جرت في شهر نوفمبر الماضي، بالتزامن مع الهدنة التي استمرت من الرابع والعشرين من نوفمبر حتى الأول من ديسمبر عام 2023. كما أن الكيان الإسرائيلي لم يتمكن في حروبه السابقة مع المقاومة، سواء الفلسطينية أو اللبنانية، من تحرير أسراه أو جنوده المخطوفين إلا من خلال صفقات تبادل الأسرى، وعبر وساطات.

موقف حماس المتحفظ

المشكلة الرئيسية تكمن في الهزيمة النكراء التي ألحقتها عملية "طوفان الأقصى" بالكيان الإسرائيلي، وعدم واقعية "أهداف الحرب" التي أعلنها رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، والتي يكررها يوميًا دون كلل أو ملل، وهي القضاء التام على حركة "حماس" وتفكيك قدراتها العسكرية، وتحرير الأسرى المحتجزين لديها.

من هنا، فإن موافقة الاحتلال الإسرائيلي على الصفقة الجاري التفاوض بشأنها، وفقًا لما يُعرف بـ "إطار باريس"، والذي ردت عليه حركة حماس بتحفظات تهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة تقارب الخمسة أشهر، يعني عمليًا أن إسرائيل لم تحقق النصر المنشود، وأنها قد أخفقت في تحقيق أهدافها المعلنة من الحرب.

يهدف نتنياهو، بدعم أمريكي وأوروبي، إلى الضغط على حركة حماس لتليين موقفها التفاوضي، والقبول بشروطه المجحفة، بما لا يسمح للحركة بفرض شروطها العادلة. لذا، فهو يلوح ويهدد باجتياح مدينة رفح، التي نزح إليها أكثر من مليون وأربعمائة ألف فلسطيني من شمال قطاع غزة، ويعيشون في خيام بائسة.

شروط الصفقة المحتملة

اجتياح رفح، إن حدث، سيشكل كارثة إنسانية جديدة غير مسبوقة. فإذا تراجعت حركة حماس وقبلت بشروط نتنياهو القاسية، وتنازلت عن تحفظاتها وشروطها العادلة، فسيكون نتنياهو قد حقق نصرًا زائفًا يسعى إليه بشدة، خاصة أنه وجنرالاته يزعمون أن صفقة التبادل السابقة في شهر نوفمبر الماضي كانت نتيجة للضغط العسكري الذي مارسه جيش الاحتلال.

هذا على الرغم من عدم تحقيق الجيش الإسرائيلي أي إنجاز عسكري ذي قيمة في جميع مناطق شمال قطاع غزة التي توغل فيها بريًا على مدار أربعة أشهر، بل إنه تراجع في كل مرة تحت ضربات المقاومة الفلسطينية الموجعة، والخسائر الفادحة التي تكبدها في الجنود والضباط والعتاد.

قد يقدم "جيش الاحتلال الصهيوني" على اجتياح رفح بهدف صرف الأنظار عن إخفاقاته المتتالية في مناطق الشمال، وتسليط الضوء على رفح، لعله يحقق إنجازًا دعائيًا يتفاخر به أمام الرأي العام.

أما قتل المدنيين الفلسطينيين، فهو أمر لا يثير قلق هذا الكيان الغاصب، فهو لا يخفي ازدراءه واحتقاره لهم، ويعتبرهم وحوشًا آدمية يجب قتلها، وأنهم، أطفالًا ونساءً وشيوخًا، من أنصار حماس، ويستحقون الموت. كما أنه لا يخشى ما يسمى بـ "المجتمع الدولي"، طالما أن هذا الأخير يخضع للهيمنة الأمريكية المطلقة.

إن "تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن" وغيره من ساسة إدارته، والغرب عمومًا، حول حماية المدنيين الفلسطينيين، هي مجرد كلمات زائفة للاستهلاك الإعلامي، تهدف إلى التخفيف من حدة صورته العنصرية المتغطرسة أمام العالم العربي، وليست أكثر من ذلك. وهي تتناقض تمامًا مع الدعم العسكري والمادي والمعنوي الغربي اللامحدود للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر على قطاع غزة.

التضخيم الإعلامي والتوظيف السياسي

بالعودة إلى العلاقة بين عملية "تحرير الأسيرين الإسرائيليين" وعزم إسرائيل على اجتياح رفح، فإن هذه العملية يجري تهويلها وتضخيمها بشكل مبالغ فيه، لتوظيفها في التسويق لعملية الاجتياح الوشيكة على أنها ضرورية وحتمية للقضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى المحتجزين لدى المقاومة، وتحسين شروط التفاوض.

إذا فشلت دولة الاحتلال في اجتياح رفح، فستضطر في نهاية المطاف إلى القبول بصفقة التبادل مع حركة حماس. ويا لها من خيبة أمل للاحتلال! فاستعادة "أسيرين" فقط بعد مرور أكثر من 130 يومًا من القتال العنيف، يعتبر إنجازًا هزيلًا وبائسًا. وهذا يعني أن "إسرائيل" ستحتاج إلى سنوات طويلة من الحرب المستمرة لتحرير جميع أسراها المحتجزين لدى فصائل المقاومة الفلسطينية (البالغ عددهم 135 أسيرًا)، خاصة أن جيشها قد قتل بالفعل عددًا كبيرًا من الأسرى نتيجة للقصف الوحشي والعشوائي لمناطق قطاع غزة.

نسأل الله تعالى النصر المؤزر للمقاومة الفلسطينية الباسلة، والرحمة الواسعة للشهداء الأبرار، والشفاء العاجل للجرحى والمصابين الفلسطينيين.

 

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة